التَّوَازُنُ وَالوَسَطِيَّةُ بَيْنَ العَقْلِ وَالعَاْطِفَةِ فِي كِتَاْبِ "نَهْجُ البَلَاْغَةِ"
DOI:
https://doi.org/10.55568/t.v19i31.175-200الكلمات المفتاحية:
التّوازن، العقل، العاطفة، القلب، السّعادة، الحكمة، البلاغةالملخص
خاضت هذه الدّراسة في كيفيّة التحكّم بشهوات الإنسان عامّة. وبعواطفه على وجه الخصوص، وآليَّة إخضاع تلك العواطف لسلطة العقل والمنطق، وجعلها في مكانها الصحيح المناسب لها، والّلائق بها، وصولًا بها إلى مدارج السّعادة والكمال، فيأتي دور العقل ليرتفع بها إلى حدِّ التّوازن والاعتدال.
وإنَّ كلمات الإمام عليّ (عليه السلام) في كتاب نهج البلاغة، وكذلك سيرته العمليّة، مثالٌ للتّوازن وسيطرة القوَّة العقليَّة على غيرها من الميولات المتعدّدة للإنسان.
والدّراسة تريد أن تثبت هذه النّظريَّة، عبر كلمات، وحكم، ووصايا الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في كتاب نهج البلاغة،
لقد تناول الدّارسون كتاب نهج البلاغة في كثير من الموضوعات البلاغيّة، والأدبيّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة، والفكريّة، والفلسفيّة، ولكن لم أجد مَن أثار كيفيّة التعامل العاطفيّ لدى الإنسان السويّ، من ناحية فرديَّة أو مجتمعيَّة، على اختلاف طبقات ومستويات ذلك المجتمع، وما كان تأثير ذلك التعامل عليهم، وهل تؤسِّس تلك العواطف لمجتمع متراحم سليم، وما هو الإنتاج الذي تحقِّقه تلك العواطف لمجتمعها، وكيف تخضع تلك العواطف للغة العقل والمنطق، وصولًا بها إلى المجتمع السّليم، الذي يحمل منظومة أخلاقيَّة، وسلوكيَّة واسعة، تستقي معينها من كتاب الله، وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولم أجد، في حدود اطِّلاعي، من تعمَّق في بحث هذه الثنائيَّة التكامليَّة بين العقل والعاطفة في نهج البلاغة، وكيف يتمّ إخضاع العواطف للغة العقل، عدا جذاذات من أبحاث متفرقة، وعنوانات مختلفة، بين دارس لخصوص تأثيرات العاطفة على المرء، أو خصوص تأثيرات العقل فيه فقط، بل ذهب بعض الدّارسين إلى القول بأنَّهما ثنائيّتان ضدِّيَّتان، متناقضتان، لا تجتمعان في إنسان واحد، فإمّا أن يكون المرء ــ بزعمهم ــ عاطفيًّا مستجيبًا لميولاته العاطفيَّة، أو أنَّه يسلك مسلكًا عقليًّا منطقيًّا بعيدًا عن العواطف والمشاعر والأحاسيس الوجدانيَّة، وقد أثبتّ في هذه الدّراسة أنَّهما ثنائيّتان تكامليّتان، بينهما تمام الكمال والانسجام.
لقد أرسى الإمام عليّ (عليه السلام) بحكمته، قواعد التّوازن بين الشهوات والميول الغرائزيّة من حبّ، وعطف، ولين، وبين لغة العقل والمنطق، وأسّس لهذه الثّنائيّة بينهما، وعلى المستوى الشّخصي فإنَّ السّيرة العلويَّة شاهدة على بلوغ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قمّة الكمال الفكريّ، والعاطفيّ، وأنَّه قاد العاطفة، وسلك بها مسلكًا نحو التعقّل والحكمة.
وأثبتت الدّراسة أنَّه بإمكان الإنسان كبح جماح الغرائز عند خروجها عن طريقها المعتدل، والوصول بها إلى حدّ التّوازن، وجعلها في مكانها الّلائق بها، وكذلك إمكانيَّة أن نجعل من هذه الثنائيَّة ثنائيَّة تكامليَّة، تنتج الإنسان المتكامل الرّاشد السّعيد، ومن ثَمَّ المجتمع النّاضج السّليم الذي يجعل من العاطفة والعقل معًا ثنائيّة تكامليّة، ترتقي بالإنسان إلى أعلى درجات الكمال، وأهدى سبل الرقيّ الإنسانيّ القويم، هذا ما أرادت الدّراسة إثباته في ضوء كتاب نهج البلاغة.
ثُمَّ بحثت في التّوازن بين العقل والعاطفة في نهج البلاغة، وخلصت إلى نتيجة مفادها أنَّ بين العقل والعاطفة تمام الانسجام، بل هما تثنائيَّتان تكامليَّتان يؤدِّي التوفيق بينهما إلى تكامل الإنسان، بل لا غنى للإنسان عن أيّ منهما في مسيرة تكامله وسعادته، وبهما يكون الإنسان إنسانًا، وبهما يرتقي سلّم المجد والكمال، وبهما يحصل على سعادة الدّنيا والفوز بالآخرة، ويكون خليفة الله في أرضه، ومصداقًا لقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}( البقرة : 30).