![]() |
الاهداف ونطاق البحث | |
![]() |
ارسال البحث | |
![]() |
تحميل نموذج بحث | |
![]() |
اخلاقيات النشر | |
![]() |
هيئة التحرير |
مجلد 22 عدد 34 (2025): طُرُوْحَاتٌ فِِي تَدَاوُلِيَّةِ الخِطَابِ وَتَعَدُّدِ دَلََالََاتِه

"انْخِطَافُ المَعْنَى: مِنْ التَّلَقِّي إلَى الفِعْلِ الحَضَارِيِّ"
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتتزاحم فيه المفاهيم وتزدحم فيه الموضوعات وتتنوَّع، بل رُبَّما تتلاقى بعض أواصرها بما يجعل الحدَّ الفاصل متعلِّقًا بدقَّة التشخيص وعمق القراءة ليكون الشاهد مصداقًا للفرز، إذ ينبجسُ هنالك سعيٌ إلى إعادة تموضعٍ للمعنى ليكون في سياقاته وتكون الموضوعات في انسجامٍ مع منطلقات الدرس الأكاديميِّ العربيِّ، لا كفعلٍ منتهٍ بالتلقِّي، بل كحركةٍ تتجاوز السطح إلى البنية، ومن البنية إلى الفعل الحضاريِّ المتَّسق مع الذات، ولعلَّ ما تسعى إليه مجلَّة "تسليم"-في هذا السياق- أن تكون مِنبرًا للتحوُّل النقديِّ، ومجالًا لاستعادة الفعل الثقافيِّ المتحرِّر من التلقِّي السلبيِّ إلى التلقِّي الإيجابيِّ، بقراءة تنبني على أسس علميَّة، تطمح من خلالها إلى إعادة بناء المعنى على وفق سياقات اللَّفظ وضمن توجُّهات الخطاب العلميِّ الفاعل.
فضلًا عن رؤيتها الراكزة التي لن تغيب عن متبنياتها: هي أنَّها لم تنظر إلى العلاقة بالتراث مجرَّد تكرارٍ طقوسيٍّ للماضي، ولا استعادةٍ نوستالجيةٍ لأطلال المعرفة، بل هي مشروع نقديٌّ يسعى إلى تحويل النصوص من "نصٍّ معلَّق" إلى "حضورٍ فاعل" في الوعي. ومن هنا، لا تنظر له بوصفه إمكانًا لتأويل الذات، إنَّما هو استنطاق للذاكرة، وتفعيل الطاقة الحضاريَّة الكامنة في النصوص، وتحريك المسكوت عنه في الهوامش.
وممَّا يُعضِّد الرؤية ما نشهده في واقعنا، وهو أنَّنا نحيا في عالمٍ تتسارع فيه آليَّات التذويب والاندماج الثقافيِّ، إذ تُستلب الذائقة ويُعاد تشكيل الوعي على وفق خرائط لا تصدر عن بيئتنا، ولا تنتمي إلى سياقاتنا، ومن هنا ينبع التحدِّي الحقيقيُّ: أن نقرأ تراثنا لا هروبًا من المعاصرة، بل تأسيسًا لها. أن نُخضعه لأدوات النقد، ونستخرج منه القابل للتجدُّد، والقادر على التفاوض مع الحاضر من غير قطيعة.
إنَّ اختيار عنوان مقدِّمة هذا العدد: "انخطافُ المعنى: من التلقّي إلى الفعل الحضاريّ" لم يكن عشوائيًّا ولا تزيينيًّا، بل جاء بوصفه إشارةً اصطلاحيَّة ذات جذور نقديَّة؛ فـ"الانخطاف" هنا لا يُراد به الفناء في الجمال فقط كما عند الصوفيَّة، ولا الاندهاش السلبيُّ كما قد يتبادر، بل يُراد به انجذاب المعنى من مجاله الساكن إلى حيِّز الفعل، وارتقاء المعنى من التلقِّي الخامل إلى الدور الحضاريِّ الفاعل، وهو إنَّما انتقال من موقع التفسير إلى أفق التأثير. ومن هنا، فإنَّ هذا الانخطاف هو مشروع وعي، لا لحظة وجْد.
من هذا المنطلق، تفتح "تسليم" صفحاتها لاستقطاب الطاقات البحثيَّة العربيَّة لمن يملكون أدوات البحث العميق والرؤية المستقبليَّة، في مجالات تمتدُّ من القرآن الكريم وعلومه، إلى الحديث النبويِّ الشريف، مرورًا بسيرة آل البيت عليهم السلام بوصفهم تجلِّيات حاضرة للمعنى المتجاوز لتمتد رقعة العناية فتتَّسع نحو قضايا الأدب العربيِّ، واللُّغة، والبلاغة؛ من أجل إعادة بناء هذه الحقول بوصفها فاعلةً في تشكُّل الذوق الجمعيِّ، ومنتجة للمعنى ومؤسِّسة للهُويَّة.
وما هذا التنوُّع الموضوعيُّ إلّا تجلٍّ لجوهر "تسليم": أن تكون مساحةً للتلاقي بين الأصالة والنقد، بين الثابت والمتغيِّر، بين الدرس الجماليِّ والهمِّ المعرفيِّ، لتمنح الباحث العربيَّ فضاءً حرًّا للإسهام، وتضعه في قلب مشروع ثقافيٍّ يحترم ذاكرته، ويؤمن بحضوره، ويصنع معه – لا عنه – صورة الغد.
أ.د.سعيد حميد كاظم